July 30, 2011

لماذا يخشى المسلمون المتأسلمين؟

إن من يعارض المتأسلمون والإتجاه إلى الدولة الدينية - أو الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية كما يحب أن يطلق عليها بعض السياسيون المتأسلمون -  ليسوا الكفرة والملحدين ولكن الكثير منهم مسلمون يخافون على دينهم. ويتخيل البعض – أو يزعمون – أن من يطالب بالدولة المدنية هم أشخاص معترضون على الدين الإسلامى أو على شرع الله وأشخاص يخافون تطبيق الحدود فى حين أن النسبة الأكبر من المطالبين بالدولة المدنية الحقيقية هم مسلمون ملتزمون يخافون ربهم ويخافون على دينهم. ولكن الإختلاف بينهم وبين من يدعو إلى الدولة الدينية ليس إختلاف فى الهدف بقدر كونه إختلاف فى طريقة تحقيق هذا الهدف. فلماذا إذن يطالب هؤلاء المسلمون بالدولة المدنية ويرفضون ربط الدين بالسياسة؟



أولاً: الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية هى دولة دينية
إن الدولة المدنية مكونة من ثلاثة سلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. والمقصود بالتشريعية هى مجلس الشعب المنتخب من الناس ليعبر عن طموحاتهم ويمثلهم فى إتخاذ القرار. وسميت بالسلطة التشريعية لأن لها حق سن القوانين التى تحكم البلاد، وتصدر هذه التشريعات بالأغلبية. أما فى الدولة المدنية المقترحة ذات المرجيعة الدينية فإن هناك سلطة رابعة هى سلطة رجال الدين الذين عليهم أن يفتوا فى "شرعية" القوانين قبل عرضها وبالتالى فإن السلطة التشريعية لا تبدأ من حكم الشعب ولكن تبدأ من رجال الدين. فالشريعة هى التى تحكم القوانين. وهنا وجه التعارض. أنه فى هذا النظام ذات المرجيعة الدينية تعلو كلمة رجل الدين على قرارات الشعب وبالتالى فإن الحاكم الحقيقى للدولة هم رجال الدين وليس الشعب أو من يمثله وهو ما ينفى مدنية الدولة.

ثانياً: لماذا يرفض الناس الدولة الدينية
حاول العديد من السياسيون المتأسلمون التأكيد على أن الدولة المقترحة هى دولة مدنية فى حين إنه كما ذكرت أعلاه إن ذلك هو دس للسم فى العسل حيث أنه من حيث التطبيق، النظام المقترح هى دولة دينية بحتة ولا يجوز أن يتم تسميتها بأى إسم آخر. إن رفض وصاية رجال الدين على التشريع منطقى جداً لأن رجال الدين ليسوا منتخبين وإعطاء هذه السلطة المطلقة داخل الدولة لرجال غير منتخبين هو إتجاه إلى نظام دكتاتورى جديد. والمعروف أن السلطة المطلقة قد تفسد أصحابها وهى مخاطرة كبيرة بل وتخلق الصراعات داخل المؤسسات بين طالبى السلطة وتحول دور رجال الدين من العلم والفقه إلى دور سياسى وهو ما عانينا منه مع الأزهر على مدار العقود الستة الماضية حيث تحول من العلم إلى السياسة ففسد وفسد رجال الدين فى المجتمع معه وظهر علينا قطيع من الدعاة الذين إختذلوا الدين فى صغائر الأمور ووصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.

ومن المعروف أن الشريعة علم معقد جداً وبالرغم من وجود نصوص صريحة لبعض القضايا ما بين القرآن والأحاديث والسنة إلا أن النسبة الأكبر من التشريعات نتيجة إجتهادات من العلماء على مدار القرون ويختلف الفقهاء فى أمور عديدة منها. وظهر علينا على مدار العقود السابقة من أفتوا علينا فتاوى تبتعد كل البعد عن الدين وتدفع العباد إلى الجهل والإنصياع والعنف. ومنها كمثال فتاوى تحرم الفضائيات وآخرى الموسيقى وآخرى عارضت الثورة فى بدايتها تحت فتاوى تحريم الخروج عن الحاكم. وهؤلاء أصدروا هذه التشريعات إما عن جهل أو عن طمع، فى كلا الحالتين هذه الأنماط من الفكر تمثل خطر على مصر وعلى مستقبلها. ولذلك يخشى العقلاء من المسلمون أن يصل بعض هؤلاء إلى المراكز التى تحكم التشريع حسب هذا النظام ذو المرجيعة الدينية. ومهما أعطانا المتأسلمون من ضمانات اليوم على حياد رجال الدين لا يستطيعوا أن يضمنوا المستقبل ولا أن لا يصل الجهلاء أو المغرضون إلى المؤسسة الدينية وخاصةً أنه لا رقابة ولا سلطان لشخص عليهم وأن لا ننتهى بدولة تحكمها تشريعات تبتعد تماماً عن ديننا.

بالإضافة إلى ذلك فأن إختذال الفقه فى مؤسسة بعينها يغلق أبواب التعددية، فعندما يتم تحديد مؤسسة واحدة لإصدار التشريعات يصبح من المستحيل أن تظهر مؤسسات آخرى ذات أفكار مخالفة أو إتجاهات فكرية جديدة ويصبح الدين حكر لمؤسسة واحدة قد تصيب أو قد تخطئ. فمن المنطقى أن تقوم المؤسسة المنوطة بالتشريع برفض من يقدم أفكارً مختلفة عنها. وكما رأينا فى العصور السابقة بل وحتى فى أيامنا هذه أن العديد من رجال الدين يقومون بتكفير من يختلف معهم فى الفكر. وهذا النوع من الإقصاء الفكرى هو أحد العوامل الرئيسية لفساد الحياة الدينية فى الدول وقد دفع الدول الغربية إلى التخلى عن الدين تماماً وأرجو ألا نحتاج فى يوم من الأيام أن نثور على من إحتكر الدين وسخره لقمعنا فنصل إلى ما وصل إليه الغرب من ترك للدين. 

وأخيراً فإن ما لاحظناه على مدار السبعة أشهر الماضية أثبت للجميع أن هناك طوائف تتاجر متاجرة رخيصة بالدين. فرأينا كيف قاموا بالحشد لإستفتاء 19 مارس مستغلين الإرهاب الفكرى ودعوات التكفير لتحريك البسطاء. وكيف أنهم تعمدوا الزج بالدين فى قضية لم تتطرق عن قريب أو عن بعيد إلى الدين. ولا أقصد بذلك المتأسلمين فقط ولكن رجال الدين المسيحى أيضاً، فكلاهما إستغل الدين فى تحريك عواطف الناخبين وحشدهم. ورؤية هذه الجموع من الناس تتحرك بحماسة وصدق بناءً على تضليل من رجال يدعون أنهم رجال دين ولكنهم فى النهاية أناس تستغل الدين لتحقيق مكاسب وأطماع سياسية هو أكبر دليل على الحاجة لفصل الدين عن السياسة لمنع هذا النوع من التضليل. إن الزج بالدين فى السياسة يعنى عدم الحاجة إلى العمل على الفكر السياسى، فما أسهل الإقصاء للأفكار المختلفة بوصفها بالكفر فى حين أن لا علاقة لها بها. وأكبر دليل هو إعتبار العلمانية كفر فى حين أن نسبة كبيرة ممن يتبنوها مسلمون متلزمون ولكن ما أسهل أن يتم ضحض هذه الأفكار من قبل رجال يتمسحون بالدين فيرهبون البسطاء من الناس بدون التطرق إلى جوهر الفكر.

كما قلت فى بداية المقال، إن من ينادون بالمدنية ليسوا ضد الإسلام، بل نسبة كبيرة منهم مسلمون يخافون على دينهم، بل أن خوفهم على دينهم هو ما يدعوهم إلى فصل الدين عن السياسة للأسباب التى ذكرتها أعلاه. إن من يخاف على الإسلام من المتاجرة الرخيصة ومن تسلل المصالح السياسية والشخصية إليه يجب أن يطالب بدولة مدنية يكون لرجل الدين فيها دور العلم والفقه فقط ولا يكون له دور سياسى فيفسد. إن أرادت الأغلبية الشريعة فلتطبقها عن طريق مجلس الشعب فيكون دور رجال الدين هو دور إستشارى وليس دور تشريعى. فليتم التصويت على كل تشريع فى مجلس الشعب وعلى الأغلبية أن تختار من يمثلها فى المجلس ليصوت بما يرضيها ويتماشى مع ما أفتى به رجال الدين لهم ودعونا لا نعطى رجال الدين سلطات غير محددة وبغير رقيب فيتحولوا إلى الديكتاتورية. وإن كان من يرى أن الأغلبية تريد تطبيق الشريعة فلماذا يخافون أن يتم التصويت على كل قانون فى مجلس الشعب؟

أما من يريدها دينية ويعطى إدارة البلاد لرجال الدين فهذا أمر آخر وله مطلق الحرية فى ذلك.. ولكن لى رجاء صغير: أرجو منك أن لا تحاول تضليل الناس فلا تسميها مدنية وأرجو أن تعى ما تدفع ديننا إليه بتمكين رجال الدين فى السياسة.

1 comment: