July 15, 2012

صلاحيات الرئيس وسياسة الإلهاء


حصل الإخوان على نصيب الأسد فى مقاعد البرلمان.. وإنتظر الشعب أن يرى منهم ما يعبر عن أمآله.. فإذا بالمجلس يناقش السطحيات ويستجوب الوزراء إستجوابات خاوية متناسياً تماماً دوره الرئيسي فى التشريع قبل المراقبة.. حتى إنه لم يتقدم علينا الإخوان بأية تشريعات ذات قيمة.. ما تقدموا به ويحسب لهم هو تعديل بسيط فى قانون الإنتخابات فى الفرز فى اللجان الفرعية.. وإن كان التعديل يحمل فى داخله خدمة جليلة للإخوان وهى تغيير عقوبة المخالفات الإنتخابية من الغرامة والحبس إلى الغرامة فقط.. وكشف الإخوان عن نواياهم الحقيقية "للمشاركة" فى إختيار الجمعية التأسيسية الأولى حتى إنسحب منها جميع الأطراف بخلاف الحرية والعدالة وحزب النور..لدرجة أن الأزهر نفسه إنسحب منها، نفس هذا الأزهر الذي يطالبون به اليوم كجهة رسمية لتفسير نصوص الدستور.. ولم يتعلموا من ذلك شئ فإذا بهم ينشؤن الجميعة التالية بنفس منطق المغالبة بل ومرتكبين نفس الأخطاء القانونية عازمين التغطية على ذلك بمحاولة فاشلة لتمرير قانون لتنظيمها تحصيناً لقرارهم بالمضي فى طريق يعلمون أنه غير دستوري.. وعندما إحتدم الغضب ضدهم من القوى السياسية المختلفة وإمتد هذا الإحباط إلى الشارع إختلقوا لنا  قضية إقالة الوزارة كما لو أن هذه الوزارة هى ما يمنعهم من تأدية دورهم التشريعي والرقابي فى حين أن إقالة الوزارة ليست من صلاحياتهم وليست معركتهم.. ولكنها معركة إفتعلوها لإلهاء الناس عن فشلهم فى دورهم الطبيعي.. نفس هذه الوزارة التى قامت عليها أحداث مجلس الوزراء لإقالة الجنزوري ولم يقف فيها الإخوان موقف الحياد بل إتهموا الثوار بالفوضوية والعمالة الخارجية ومحاولة إسقاط الدولة.. وإذا بها تتحول إلى معركتهم هم وحدهم بعدها بأقل من ثلاثة أشهر.. وبعد أن أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وطلعوا علينا فى كل الفضائيات والجرائد ليفسروا لنا كيف أن مسألة إقالة الجنزوري هى مسألة حياة أو موت مع العلم بأنه كان سوف يتم تغيره بعد إنتخابات الرئاسة فى غضون أسابيع قليلة.. وإذا بالرئيس الإخواني المنتخب يترك نفس هذا الجنزوري فى مكانه أسبوعان يأخذ القرارات ويعقد اللقاءات ويطالعنا فى جميع الصحف بنفس الحرية ونفس الصلاحيات التى تمتع بها قبل إنتخاب الرئيس..

لم تكن معركة تغيير الوزارة إلا أداة لإلهاء الشعب وشماعة لتعليق فشلهم فى إدارة البرلمان..


ويتكرر الموقف الآن مع مجلس الشعب.. فقانون الإنتخابات الذى جاء بهذا البرلمان كان معيوباً من بدايته.. وقد حذر المجلس العسكري الأحزاب من عدم دستوريته ولكن هيهات.. أقامت الأحزاب - بقيادة الإخوان - الدنيا على هذا القانون متهمين العسكري بعرقلة التحول الديمقراطي ونزلوا بالفعل فى مظاهرات فى نهاية سبتمبر للمطالبة بالقانون بهذا الشكل الغير دستوري.. لا أشك فى أن إختيار توقيت إصدار الحكم مثير للريبة ولكن ليس هناك جديد فى هذا الحكم كما أنه ليس هناك شبهة أن هذا الحكم مسيس.. بالعكس هذه النتيجة – على حد عملي – كانت متوقعة من الجميع.. وفى إصدار الإعلان الدستوري المكمل إحتفظ المجلس العسكري لنفسه بصلاحيات التشريع (نظراً لغياب البرلمان) وأعطى الحق للرئيس فى الإعتراض على أى تشريع.. أى أنه أعطى بالفعل لحزب الحرية والعدالة ممثلاً فى رئيس الجمهورية حق تشريعي منفرد لا تتمتع به الأحزاب الأخرى.. كما أضاف له حق الإعتراض على بنود الدستور وهو حق لم يكن ممنوح للرئيس فى الإعلان الدستوري الأول.. ولكن يقوم علينا الإخوان الآن بالمطالبة بصلاحيات كاملة للرئيس فى حين أنه حصل على صلاحيات أكثر من الرئيس العادي بدوره فى التشريع - كما ذكرت أعلاه.. ويدعي الإخوان أن الرئيس ليس له حق تعديل الميزانية وهو حق لم يكن للرئيس حيث أنه من صلاحيات البرلمان.. وبالتالي فأن الصلاحية الوحيدة المنقوصة من الرئيس هى خضوع الجيش له وهو وضع مؤقت نظراً لأن السلطة التشريعية مع المجلس العسكري وبالتالي لا يصح أن تكون السلطة التنفيذية فوق السلطة التشريعية.. وبكل الأحوال هذا الموضوع مرهون بالإنتهاء من كتابة الدستور أى لبضعة أشهر (تماماً مثل ما حدث مع المطالبة بإقالة الجنزوري قبل إنتخابات الرئاسة بشهر ونصف).. وحتى إن تخيلنا أن هناك إمكانية لنقل السلطة التشريعية لجهة أخرى فإننا يجب أن نكون واقعيين فى أن الجيش لن يكون تحت إمرة رئيس الجمهورية فى يوم وليلة بعد ستون سنة من الإستقلال وأن هذه معركة طويلة الأجل.. ولكن السؤال الأهم الآن: هل هذه هى أولويات الرئيس؟ هل إخضاع الجيش للرئيس هى أهم ما يواجه الرئيس من تحديات؟ نفس هذا الرئيس الذى من حقه تعيين الحكومة وتقاعس فيه على مدار أسبوعان.. ومن حقه تعيين المحافظين ورؤساء الأحياء.. ورئيس البنك المركزي.. إلخ من الصلاحيات الممنوحة له.. له صلاحيات العمل مع الداخلية على إسترجاع الأمن وصلاحيات العمل مع الوزارات لجذب الإستثمارات والعمل مع المحافظين لتوصيل الخدمات.. ولكن يدخلنا الإخوان فى معركة أخرى وهمية لتعليق فشلهم فى تشكيل حكومة ولإلهائنا عن المهازل التى تتم فى الجمعية التأسيسية من هلهلة للدستور..

وأتوقع أن يقوم علينا الإخوان مرة ثالثة بمعركة أخرى وهمية وهى معركة الجمعية التأسيسية التى أصروا على تشكيلها بنفس الشكل الغير دستوري للمرة الثانية وإختاروا أن يكون فيها أعضاء مجلس الشعب للمرة الثانية وهم يعلمون تمام العلم أن هذا مخالف للإعلان الدستوري وحُكم ببطلان اللجنة الأولى لنفس هذه الأسباب.. فعندما يصدر الحكم ببطلان هذه الجمعية سوف يدخلونا فى معركة وهمية أخرى متهمين فيها الجيش بالعمالة والقوى المدنية التي إعترضت على هذه الجمعية من بدايتها لإلهائنا عن ما يفعلون..

وما يزيد القضية عجباً هي إزدواجية الدور الذى يحاول الإخوان أن يلعبوه.. فهم يريدون أن يكونوا النظام والمعارضة فى نفس الوقت.. متعللين بأن النظام لم يسقط وعليهم محاربته من داخله ومن خارجه.. فلا أفهم كيف ينزلون للتظاهر في حين أن رئيس الجمهورية منهم.. إما هم مؤمنين بالنظام وإرتضوا نظامه الإنتخابي وقضائه الذي فصل فى نجاح رئيسهم وبالتالي يعملون على إصلاحه من داخله.. أو هم غير معترفين بهذا النظام ويعملون على تغيره من خارجه وبالتالي يرفضون إنتخاباته وقضائه حتى وإن جاءت بهم.. ولكن هذه الإزدواجية هى أيضاً إلهاء للناس لمحاولة إيهامهم أن النظام يعمل ضد التغيير.. فإن كان الرئيس يرى أنه منقوص الصلاحيات بالفعل، فما عليه إلا الإستقالة ووضع ضغط حقيقي على النظام (إن كان بالفعل لم يسقط) ويستطيع أن ينضم إلى الجموع فى الشوارع سوف يسانده فيها جميع أطياف الشعب ولن يقتصر الدعم على أعضاء جماعته فقط.. كما أنه لم يكن عليه أن يقسم أمام المحكمة الدستورية بناءً على الإعلان الدستوري المكمل إن كان ينوي ألا يعترف به.. كان عليه أن يأخذ موقف حازم ويسبب أزمة حقيقية تضع العسكري فى مأزق.. ولكن أن ينصاع للإعلان المكمل على أساس أنه لا يريد أن يعطل عملية إنتقال السلطة وعلى أساس أنه أو حزبه سوف يعترض على الإعلان فى وقت لاحق فهذه إزدواجية ورقص على السلالم وعذر أقبح من ذنب..

لم يقدم لنا الإخوان على مدار السنة ونصف الماضية إلا العروض المسرحية لإلهائنا.. وإفتعلوا لنا معارك وهمية لتشتيت الرأي العام وتفريق الصفوف.. والكثير منها لإخفاء فشلهم .. فهم كانوا يعلمون من يوم 11 فبراير 2011 أنهم سوف يدخلون البرلمان سواء دخلوه بأقلية أو بأغلبية، ولكنهم لم يعملوا على تجهيز أى من التشريعات اللازمة للإستجابة لتحديات المرحة.. فدخلوا مجلس الشعب كأى حزب وليد.. فلم نأخذ منهم إلا سلسلة من التبريرات الواهية.. واليوم يدخلون الرئاسة وهم يعلمون منذ ثلاثة أشهر أنهم مقبلون عليها فلم يجهزوا لها حكومة أو رئيس وزراء أو حتى مجموعة من القرارات الرئاسية السريعة لإنقاذ الموقف.. ولجأوا – كالعادة - إلى إفتعال المعارك والتبريرات الهزلية لتعليق فشلهم فى التخطيط على شماعة الثورة المضادة ومحاربة العسكري..

والسبب الرئيسي للغضب منهم ليس فشلهم.. فنحن فى مرحلة جديدة لم يستعد لها أى من الموجودين على الساحة والجميع معرض للخطأ.. ولكن الغضب منهم فى إستئثارهم بالرأي وإقصائهم للجميع ورفضهم المحاورة مع القوى الأخرى فاتحين صدورهم ومدعين أنهم يحملون مفاتيح النجاح فى حين أنهم لا يقدموا لنا إلا أسباب فشلهم.. فإما تشركون الجميع شراكة حقيقية أو لتتركوا الساحة لمن يعتزم - على الأقل - المحاولة..

1 comment: