April 22, 2012

أبو إسماعيل وأولاده

لا أستطيع أن أفهم أولاد أبو إسماعيل.. حاولت كثيراً أن أفهمهم وفشلت.. لم أفهمهم قبل ظهور قضية الجنسية.. لم أفهمهم لأننى رأيت فى الشيخ رجل ثورى.. يتحدث عن أحلامه وبالرغم من أننى لا أشاركه كل أحلامه إلا إنى تفهمت ما قد يعجب البعض فى رؤيته.. ومع ذلك عندما إستمعت إلى خططه لتحقيق هذه الرؤية ظهر لى الكثير من العيوب.. فوجدت أنه لا علاقة له بعالم الإقتصاد والأعمال.. ليس متصلاً بالأسباب الحقيقية للمشكلات التى نواجهها كدولة أو التى يواجهها المواطنون.. ربما يكون على علم بالمشكلات ولكنه ليس عنده أدنى فكرة عن أسبابها أو طرق علاجها.. والأمثلة عديدة عن خطط تعتمد على أرقام مغلوطة وإستنتاجات خاطئة يسهل على أى شخص محتك بسوق العمل أن يفندها وأن يصححها.. وتحاورت كثيراً مع أولاد أبو إسماعيل فى هذه النقطة وكان الرد دائماً إن الشيخ وعد بدولة المؤسسات واللجوء إلى أهل الخبرة وكنت أجيب دائماً أليس اليوم وهو على مشارف سباق الرياسة أولى بأن يستقدم هؤلاء المستشارين وأهل الخبرة لينصحوه ويضعوا له الخطط بدلاً من الخروج على الناس بأفكار مشوهة تفتقر إلى أى خبرة حقيقية؟ أليس اليوم أولى أن يعد ناخبيه بما يستطيع تحقيقه وأن لا يعدهم بالمستحيل فيخيب أمآلهم؟ تخوفت فى ذلك الوقت من أننا أمام شخص يكابر ويصر على الإعتماد على أفكاره وحده بدون الإستعانة بأهل الخبرة أو أنه يستخف بحجم المسؤلية أو أنه شخص حالم لا يعي حجم العمل المطلوب لتحقيق رؤيته.. 


فقبل ظهور مشكلة الجنسية رأيت أن الشيخ قد يدعو إلى حلم يجده البعض صورة جميلة بمقارنتها بواقع الحال فى مصر ولكن أليس قدرة الشيخ حازم على تحقيق هذا الحلم جزء من تقييمه كمرشح للرئاسة؟ فلم أجد إجابة من مريديه ولكننى وجدت دفاعاً أعمى عن شخصه وكأن "سنحيا كراماً" هى حالة ذهنية وليست نتيجة منطقية لخطط حقيقية للنهوض بالدولة. رأيت من مريديه رفض تام لنقد شخصه أو طريقته أو حتى مقترحاته.. بل ورأيت من بدأ الدفاع عنه من منطلق أيديولوجى بحت وبنبرة تتهمنى بالتطاول على الدين وشرع الله ممثلاً فى الشيخ حازم.. 

ثم بدأت مشكلة جنسية والدة الشيخ فى الظهور.. فى بداية الأمر تخيلت أن تكون هذه إشاعة من أحد المنافسين فى محاولة لدفع الشيخ خارج السباق.. ثم جاء رد فعل الشيخ حازم فى الأول متهكماً وساخراً مؤكداً ما كنت تخيلته من أن هذه محاولة لتشويهه قبل الإنتخابات.. فالبرغم من إعتراضى على الشيخ كرئيس للجمهورية إلا إننى لم أشك فى صدقه ولم أتخيل للحظة أن يضلل أتباعه ومريديه. ثم فوجئت بعدها بأن الشيخ تراجع عن موقفه المتهكم وأقر بأن أخته حاصلة على الجنسية وهو ما قد نفاه بشكل ضمنى فى رده الساخر على من تشكك فى جنسية والدته.. ثم تراجع ثانية عندما قال أن والدته حاصلة على الجرين كارد ولكنها لم تحصل على الجنسية وهو ما يخالف الإنطباع الذى أعطاه لى وللجميع حين تندر على السؤال. فى هذه اللحظة بدأت أخذ موقف مختلف – وبالرغم من أننى لم أخونه – وجدت نفسي بحاجة إلى موقف صريح من الشيخ. وبالفعل سمعته وهو يخطب من مسجد أسد إبن الفرات وفى هذا اليوم بدأ الشك الحقيقي عندما رأيته يتحدث بكلمات غليظة عن الموقف بدون أن يقدم أى دليل إلا مصداقيته الشخصية. لم أجد إلا عرض لنظرية مؤامرة وتهديدات بالتصعيد وأحسست يومها أنه يخفى شيئاً.. ثم جاء قرار المحكمة وقرأت منطوق الحكم وفهمت أن جوهر الحكم هو إلزام الداخلية بإعطاء الشيخ شهادة بموقف تجنس والدته وهو ما يعتبر – فى وجهة نظرى – تحايل على القانون والتركيز على ثغرة ملخصها هو طلب من لا صفة له فى هذا الأمر بإعطاء شهادة تفيد جنسية السيدة والدته.. ثم جاء قرار اللجنة وتلاه التظلم ثم القرار النهائى بإستبعاد الشيخ من السباق الرئاسي. 

على مدار الأسابيع القليلة التى دارت خلالها هذه المعركة لم يتقدم الشيخ بدليل واحد غير مصداقيته الشخصية والإدعاء بتزوير الأوراق.. وكنت قد سمعت من قبل من مريديه مقولة: "البينة على من أدعى.." فتخيلت أنه بعد أن قدمت اللجنة أوراقاً وأن الشيخ إتهمها بالتزوير أصبحت البينة اليوم على الشيخ وعليه أن يأتى بما يرد به على هذه الأوراق.. ومازال – فى رأيي الشخصي – من السهل على الشيخ اللجوء إلى الحكومة الأمريكية لتؤكد أو تنفى صدور هذه الأوراق من عندها وإن لم يستطع هو لأنه مصري الجنسية (وإن كنت أشك فى ذلك نظراً لأن والدته كان عندها إقامة وبالتالى لديها حسابات بنوك وربما أملاك يستطيع كأحد الورثة أن يطالب بها) فإن أخته الحاصلة على الجنسية تستطيع مطالبة الحكومة بورق رسمي يفيد وضع والدتها.. ولكن تقاعس الشيخ ورفض عائلته التعليق على القضية والبطء والضبابية التى تعامل بها مع الموقف لم تزدنى إلى شكاً فى موقفه القانوني. 

ولكنى عجبت أكثر من أتباعه الذين يرفضون حتى التوقف لحظة والتساؤل ويصروا على دعمه بدون أدنى شك فى مصداقيته.. لا أستطيع أن أفهم من أين هذا الإيمان الأعمى ببشر يخطئ.. ووجدت من يقارنه بالرسول (ص) عندما ذهب ليقلب صفية بنت حيي إلى منزلها وقال لإثنان من الأنصار سارعا إليه: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي" وكيف أن الأنصار لم يطلبوا منه أن يؤكد لهم أنها بالفعل صفية بنت حيي.. يستشهدون بهذه الواقعة لتبرير ثقتهم العمياء فى الشيخ حازم.. فهل وصل بهم الإيمان بحازم أبو إسماعيل أن يشبهوه بالرسول (ص)؟ بل وضلوا أكثر بأن تناسوا جوهر هذه القصة وهى أن الرسول (ص) سارع بهذا القول حتى يمنع عنهم أى شك وقال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا-). فحتى الرسول (ص) والذى لم يكن من المعقول أن يشك فيه بشر خشى أن يدب الشك فى أنصاره وسارع بشرح الموقف وهو بغنى عن ذلك. ولكن الشيخ حازم تباطئ وتقاعس فى شرح موقفه وحوله إلى مزحة ثم تراجع عن موقفه جزئياً ولم يكلف نفسه مرة أن يبرز هذه الأوراق التى يؤكد أنها تبرء ساحته. وإختار فى كل مرة أن يلجاء إلى رصيد الثقة عند مريديه مهيجاً مشاعرهم بما وعدهم به من الكرامة. بل وهدد أن يفتح ملفات الفساد التى يملكها إن لم ترتد اللجنة عن قرارها. فهل كان يلقى بتهديدات خاوية أم أنه يحوز هذه الملفات؟ فإن كانت تهديدات خاوية فقد خسر وإن كانت هذه الملفات بحوزته فلماذا لم يقدمها قبل ذلك؟ أليس هذا بتستر على الفساد؟ 

إن وضع الشيخ حازم فى هذه المرتبة العالية من قبل مريديه هو أمر مقلق للغاية.. فلم نعهد فى الإسلام هذا التبجيل للأشخاص حتى أن أبو بكر الصديق خرج على المسلمين يوم وفاة الرسول (ص) وقال لهم: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيى لا يموت". فإن كان هذا موقف أبو بكر الصديق من رسول الله (ص) وخليل رحلته فكيف وضع أنصار أبو إسماعيل مرشحهم فى هذه المرتبة الغير بشرية؟ كيف تخيلوا أنه معصوم من الخطأ حتى رفضوا أن يتشكك فيه بشر؟ كيف تحول إنتقاد الشيخ إلى مهاجمة للدين؟ هل إختزل الإسلام فى شخص؟ حتى وإن أخطأ؟ وقد أخطأ.. فإن لم يكن أخطأ بإخفاء جنسية والدته فإنه أخطأ فى تعامله مع القضية.. بل وأخطاء فى مواقع آخرى كثيرة.. فقد أخطاء عندما حشد الناس للإستفتاء بنعم على نفس هذه التعديلات التى يرفضها الآن.. وأخطأ فى إخفائه جنسية أخته وحصول والدته على الإقامة.. وأخطأ فى تفسيره لبيبسى وأخطأ عندما دافع عن هذا الخطاء ولم يعتذر عنه.. إنه بشر والبشر يخطئ..

لا أفهم أولاد أبو إسماعيل الذين يدافعون عن الإسلام بهذه الحماسة ولكنهم يختزلوه فى شخص.. أصبحت نصرة الإسلام رهينة لرجل واحد هو الوحيد القادر عليها.. وهل قامت ثورتنا لنأتى برئيس لا يسعنا أن نحاسبه على أخطائه؟ هل نعود إلى الرئيس الفرعون؟ ألم نتعلم شيئاً من تاريخنا؟ وهذه ليست دعوة للإنتفاض عن الشيخ ولكنها دعوة لتحكيم المنطق والعقل ومحاولة البحث عن الحقيقة.. إنها دعوة لبناء رؤية غير مرتبطة بأشخاص ولكنها معتمدة على مؤسسات ومجموعات مؤمنة بقضيتها. إن إمتناع مريدى الشيخ عن قبول أى نقد للشيخ أو شك فى كفائته يقضى على مصداقيتهم ومصداقيته.. فليس هناك بشر معصوم من الخطأ ولكن هذا الدفاع الأعمى عنه يبعد المحايدين عن الشيخ ومريديه لأنهم يفتقدون الموضوعية. أستطيع أن أفهم أن حازم أبو إسماعيل قد أعاد الحياة لأحلام قد دفنها البعض من الإحباط فى عصر النظام البائد وأستطيع أن أفهم أنه أعطى الأمل للكثيرين ولكن إختزال هذا الأمل وهذا المشروع فى شخص الشيخ حازم فقط هو كفر بالقضية نفسها وكفر بقدرة مريديه.. الشيخ حازم بشر وأداة لتحقيق حلم.. ليس هو الحلم

1 comment:

  1. مقال جميل فعلا.وفي رأيي ان حشد الأنصار لتأييد اي قضية او شخص يستدعي التأكيد علي شيئين الاول ؛ هو اختيار الكلام الذي يصل الي القلب وبالتالي يؤثر في الناس. وإبداع حازم انه محامي وشيخ ( يعني استاذ كلام ذو خلفية دينية) الشئ الثاني هو التركيز علي فصيل معين من الشعب ومش هقول بس الجاهل لكن هقول ان في شباب جامعي وناس المفترض انها واعية ولكن غيبت عقلها. الفصيل ده والله انا بحس انه بيؤيد حازم من منطلق التوبة الي الله وغسل النفس من الذنوب. هما عندهم هاجس ان حازم بعث لنصرة الدين وبالتالي تأييده تكفير الذنوب . وانا آري فائدة عظيمة من قصة ابو اسماعيل وهي انه من الجائز انها فتنة أراد بها الله ان يؤكد انه ليس كل من تفقه في الدين بمعصوم وصادق. فأحيانا يحتاج الانسان لصدمة حتي يتغير او يغير فكره الخاطئ. وشكرا

    ReplyDelete