Original Post: March 1st, 2011
لا يختلف إثنان على أن الثورة مهددة سواء كنت مقتنع بنظرية الثورة المضادة أو مؤامرة إختطاف الثورة أو بفكرة سيطرة الحزب الوطنى على الحكومة الحالية. وربما تكون هذه المخاطر كلها صحيحة وحقيقية ولكننى أظن أن نفس هذه الثورة التى أقالت مبارك قادرة على محاربة وردع أى قوة تعمل ضدها.. المشكلة اليوم هى أن هذه الثورة ليست هى نفس الثورة التى قامت يوم 25 يناير والتى حشدت
الشعب ورائها.. ليلة 25 يناير كان هناك 30 ألف متظاهر فى التحرير مستعدين للإعتصام ويوم 28 كان هناك مئات الألآف ويوم 11 فبراير نزل الشارع 8 مليون أما اليوم فهناك ألفان فقط. هل هم نفس الناس؟ هل هم نفس المجموعة التى كانت موجودة فى البداية؟ لا أعرف.. فى كلا الحالتان فإن ما حدث فى 25 يناير ليس هو ما نراه الآن وأكثر ما يهدد هذه الثورة اليوم ليس عدو خارجى ولكن ربما تكون عوامل داخلية..
1. فى بداية الثورة قرر الثوار عدم إختيار قيادة للثورة، وهى فكرة كانت غاية فى الذكاء لأنها "زنقت" النظام: فبدون قيادة ليس هناك مفاوضات، إما الإنصياع التام لطلبات الثورة أو إستمرار المظاهرات. وكان ذلك ممكناً مع وجود هذه الأعداد الرهيبة من الناس فى الشارع والتى كانت متفقة جميعهاً على هدفأ واحداً وهو إقصاء حسنى مبارك. ولكن اليوم إختلف الوضع تماماً، مع هذا الإنفتاح الذى حدث إنقسمت الأراء وأصبح لكل فكرة ممبراً ولكل متحدث مستمع وإختفت أصوات الثورة الحقيقية فى هذا الزحام وإنفضت بعض من أركان الثورة إلى مصاحلها الشخصية حتى أصبحت رسالة الثورة الحقيقية واحدة من مئات الرسائل التى إنهمرت على الناس وأفقدت الجموع التى نزلت فى الشوارع إتجاها. إن إستراتيجية عدم وجود قيادة كانت ناجحة فى وقتها ولكن فى الوقت الحالى تحتاج الثورة إلى قائد (أو مجموعة من القادة) قادرة على حشد الرأى العام والقوات السياسية المختلفة تحت أهداف واحدة مفهومة للجميع وتقد على إدارة الحديث مع الجيش للحصول على مطالبها أو تحريك الملايين إلى الشارع وهذا لن يحدث اليوم بدون هذه القيادة.
2. مازالت القاعدة الكبيرة من المصريين تستمد معلوماتها من الإعلام الكلاسيكى متمثلاً فى الإذاعة والتلفيزيون والجرائد وهى وسائل لا تصل إليها الثورة حالياً أو لا تصل إليها بقوة وبالتالى لا تصل رسائل الثوار إلى نفس الأعداد التى كانت تصل إليها عندما كانت كل الوسائل الإعلامية محتشدة وراء هدف واحد وهو إقصاء مبارك. أما اليوم فالرسائل متخبطة وتعكس نفس التخبط والزحام الناتج عن غياب القيادة المنظمة للثورة أو الوجه الرسمى للثورة. إن الثورة بحاجة إلى الوصول إلى الإعلام بشكل منظم وقوى وأن لا تعتمد فقط على وسائل الإعلام الإلكترونية ويرتبط ذلك طبعاً بوجود قيادة واضحة وموحدة وقادرة على حشد الأراء.
3. إن ما يقرب من 40% من الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر وهناك ربما 40% آخرى تحيا حياة متقشفة والنسبة الأكبر منهم يعيشون على دخول يومية. إن حالة الفوضى القائمة الآن قد أفقدت نسبة كبيرة من هذه الشرائح قوت يومها ويدفعون ثمن هذه الثورة أضعاف مضاعفة وإن ضاقت بهم الدنيا أكثر من ذلك سوف يشكلون خطراً داهماً على الثورة. إن الخيار أمام العديد من المصريين سوف يكون السرقة أو الموت جوعاً وسوف تتحول المطالب من الحرية والديمقراطية إلى الخبز وهذا يعطى الجيش أسباباً عديدة للتدخل بما لا يتفق مع أهداف هذه الثورة. بالإضافة إلى ذلك فإن إستمرار هذا الحال يفقد الثورة أعداداً من المساندين يومياً. ولذلك فإن الرجوع إلى حياة شبه طبيعية يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية للثوار اليوم.
4. لسبب أو آخر أجد إختلاف فى لهجة المشاركين فى الإعتصامات، اللهجة تحولت إلى "لو ماكنتش معانا فإنت ضدنا"، أصبح من إعتصم فى التحرير هو "جدع" ومن بات فى بيته "جبان" وهناك لهجة من التباهى بين الثوار.. "إحنا إللى عملنا الثورة.. إحنا أجدع ناس.. ومش حانمشى لغاية ما تخلص وإللى مش عاجبه يخبط راسه فى الحيط.. لو كنا مشينا بعد خطاب الرئيس كان زمانكوأ يا خيبتكوا قاعدين بحسنى مبارك". الثورة لم تنجح بخمسة ألآف متظاهر، الثورة نجحت عندما نزل 8 مليون مصرى الشارع، عندما تكاتفت الأشخاص والمؤسسات على إسقاط النظام. إن قدرة الثوار على حشد الناس والرأي العام ورائهم هو القوة الحقيقية وذلك يحدث بالحديث وبالإقناع وتوحيد الأهداف. أما فقدان الصبر وتهميش الجنود الصامتون فهو سبب لإنفضاض الناس عن الثورة.
5. أحترم كثيراً مبدء "الشرعية الثورية" وهو ما يعطى للثورة الحق فى حل الدستور ومجلسى الشعب والشورى وطلب حل الوزارة القائمة إلخ.. والعمل خارج النظام السياسى القائم. وفى الوقت ذاته فإن تعريف هذا المبدء بأنه يطلق الحرية لمخالفة القوانين والأعراف يعطى لكل شخص أو مجموعة أشخاص حق إثارة الفوضى وخرق القوانين تحت مسمى "شرعية المطالب". إن عدم الإلتزام بحظر التجول (حتى وإن كنت رافض لوجوده) كمثال أو إيقاف المرور فى الشوارع التى تحشد بها المظاهرات هو رسالة لكل من أراد التغير بأن يكسر الأعراف. ما الفارق بين التظاهر حتى الساعة 11 مساءً ثم المعاودة فى اليوم التالى الساعة الثمانة صباحاً وبين المبيت فى الميدان؟ ما الفارق بين التظاهر فى الحديقة أو إيقاف المرور؟ هل الغرض من ذلك خلق حالة من الشلل؟ إن نفس هذا الشلل هو الذى يفرق المساندين للثورة ويثير غضب الشخص العادى الذى يحاول فى غضون قيامه بواجباته السياسية أن يستمر فى تدبير حياته اليومية لأسرته وعمله. إن للإعتصامات المفتوحة أوقاتها وهناك أوقات آخرى للتخطيط وحشد القوى السياسية وإستخدام وسائل الضغظ المختلفة.
أن لست من شباب 25 يناير ولم أدعو لهذه الثورة ولم أنظمها ولم أقودها ولم أعتصم فى التحرير ولم أقف فى الصفوف الأمامية.. ولكننى كنت فى المظاهرات يوم 25 وفى الشوارع يوم 26 و27 ونزلت يوم 28 ونلت نصيبى من الغازات المسيلة وحضرت المليونيات بل ومررت كل يوم على ميدان التحرير.. لم أضحى كما ضحى الثوار ولكننى ساهمت ما ساهمت مثل الكثيرين.. أمضيت الليل فى اللجان الشعبية، وتوقفت أعمالى، ودفعت الثمن الأصغر من هذه الثورة مثل الكثيرين.. ولكننا دفعناه!! ووقفنا أنا و8 مليون شخص وراء الثورة ولذلك فهى ثورتنا جميعاً.. ولا نريد أنا نراها تتهتز.. لقد إستطاع القائمين على هذه الثورة حشدنا ورائهم فى يناير ولكن اليوم أخشى أننا تفرقنا وبالرغم من إيمانى الكامل بالمطالب المطروحة حالياً وأساندها إلا إننى لا أرى أن هذا الإنشقاق وهذه الفوضى وهذا التخبط سوف يقودنا إلى تحقيق هذه المطالب. أتمنى أن ينظر المتظاهرين إلى هذه النقاط ويعيدوا حساباتهم ويحشدوا الناس خلفهم ويخططوا للخطوات القادمة متكائين على السياسة والحديث كما إعتمدوا على المظاهرات من قبل.
No comments:
Post a Comment