جاء قرار مرسي بإلغاء قرار المجلس العسكري بحل مجلس
الشعب بمثابة مفاجئة للجميع، فلم يتوقع أحد أن يتم إعادة البرلمان بهذا الشكل. وقد
أثار هذا القرار جدل واسع قد يتطور إلى أزمة بين الجهات المعنية بهذا القرار. ولم
ينتج عن هذه الخطوة جدل رسمي فحسب بل أدى هذا القرار إلى إنقسام فى الأراء بين
مؤيد ومعارض ولكل منهما أسبابه المنطقية. وبعد أن قرأت مجموعة من الأراء من
الطرفان، فإن ما فهمته أنه من الناحية القانونية لم يضع الإعلان الدستوري الصادر
فى مارس 2011 إحتمال حل مجلس الشعب وبالتالي لم يحدد المسار فى حالة حدوث ذلك، ولذلك
فإن أى قرار بشأنه يحتمل الصواب والخطأ.. فقرار المجلس العسكري فى الإعلان
الدستوري المكمل بنقل السلطات التشريعية لنفسه يحتمل الصواب والخطأ وكذلك يحتمل
قرار مرسي بإعادة المجلس الصواب والخطأ.. ولذلك فإن هذا القرار فى النهاية قرار
سياسي وليس قرار قانوني. وهذا بالفعل كان ملخص البيان الذى صدر من الرئاسة تفسيراً
لهذه الخطوة.
أما عن أراء الفريقان المؤيد والمعارض فأستطيع تخليصها
كما يلي:
المؤيدين:
- المجلس العسكري كان معين من قبل حسنى مبارك بدون أى صفة دستورية أو شرعية في حين أن مجلس الشعب حتى بعد ثبوت عدم دستوريته منتخب وشارك فى إنتخابه 30 مليون مصري وبالتالي يحمل شرعية حقيقية بالمقارنة بالمجلس العسكري
- إحترم مرسي قرار المحكمة الدستورية بأنه أعاد السلطات لمجلس الشعب لفترة محددة تنتهى بإنتخابات تشريعية جديدة فى إطار دستور جديد وقوانين إنتخابات ومجلس الشعب تتناسق وهذا الدستور الجديد وهذه خطوة منطقية فى ظل التخبط القانوني والدستوري الذى تمر به البلاد
- إستخدم الرئيس سلطاته التى تسمح له بإلغاء أى قرار إداري وبالتالي فإنه لم يتعدى صلاحياته التى ينص عليها القانون
- من وجهة نظر ثورية فإن قرار مرسي خطوة لتقليص دور الجيش وإخراجه من الحياة السياسية وبالتالي فإن القرار يحمل الشرعية الثورية التى تعطي الحق فى العمل خارج الإطار الدستوري
- أن المحكمة الدستورية من وجهة نظر العديدين يشوبها الإنحياز للنظام القديم وبالتالي فإن قراراتها ليست خالية من المصالح وأحكامها تفتقر إلى الحياد
المعارضين:
- قرار مرسي يضرب بحكم المحكمة الدستورية عرض الحائط ويعطي الصلاحيات لمجلس ثبت عدم دستوريته وما ينتج عن ذلك من إهدار السلطة القضائية
- أى قرارات تصدر عن مجلس الشعب هذا (ومن ضمنها قانوني مجلس الشعب والإنتخابات الجدد) تشوبها عدم الدستورية وقد يتم الطعن عليها فى المستقبل فنسقط فى دائرة مفرغة من عدم الدستورية
- حل مجلس الشعب قبل إنتخابات الرئاسة فى المرحلة الثانية شجع الكثيرون ممن كانوا يخشون تركيز كل الصلاحيات فى يد الإخوان أن يصوتوا لمرسي بعد أن إطمئنوا إلى توزيع الأداور وبالتالي فإن رجوع مجلس الشعب يضع علامة إستفهام على مدى شرعية الرئيس المنتخب
- يرى الكثيرون أن القرار يصب مباشرةً فى مصلحة الإخوان ويعطيهم فرصة للتوسع فى السلطات بشكل أكبر وخاصةً أن مرسي تجاهل العديد من القضايا الأخرى المعنية بالثورة بشكل مباشر مما يؤكد الشكوك فى إنحيازاته
- لقد إرتضى الإخوان المسلمون والفصائل الآخرى أن يدير المجلس العسكري المرحلة الإنتقالية بل ووافقوا على الإعلان الدستوري الأول بالرغم من إنفراد العسكري بصياغته بدون الرجوع لأى من القوى السياسية وبالتالي فإن رجوع السلطة التشريعية للمشرع الأول فى الإعلان الدستوري منطقي خاصةً وأن الإعلان المكمل أعطى الرئيس حق الإعتراض على التشريعات الصادرة من العسكري فلم ينفرد بها المجلس وإقتسمها مع الرئيس المنتخب
- إعتبار المحكمة الدستورية غير محايدة ومنحازة لا يضع فقط علامات إستفهام على الحكم بعدم دستورية مجلس الشعب ولكن يؤدي إلى التشكك فى نزاهة الإنتخابات الرئاسية التى راقبتها لجنة من نفس هذه المحكمة
أرى أن لكلا الفريقان أسباب – كما قلت – منطقية ولذلك لا
أرى فائدة من تحليل هذا القرار من الناحية القانونية ويجب علينا دراسته من الناحية
السياسية. وفى وجهة نظري فإنه قرار خاطئ لأنه قرار عنتري الغرض منه التصعيد و
"فرد العضلات" ولكن نتيجته لم تقتصر على مواجهة مع المجلس العسكري فقط
بل إمتدت إلى تحدي مع السلطة القضائية فى وقت لا تحتمل فيه الدولة السقوط إلى
دوامة من المبارزات القانونية فى ظل غياب لدستور حقيقي. ويفتح هذا القرار بهذا
الشكل جبهات عديدة على مرسي والإخوان تنتقص من شعبيتهم وتضيف إلى شعبية المجلس
العسكري. وأرى أن مرسي كان لديه خيارات أخرى أقل تصادمية للوصول لنفس النتائج. فكان
يستطيع أن يوكل المحكمة الدستورية فى صياغة التشريعات المطلوبة لهذه المرحلة
القصيرة. أو كان لديه إمكانية نقل السلطة التشريعية إلى مجلس الشورى فكان يؤدي ذلك
إلى نفس النتيجة وهى سحب السطلة التشريعية من المجلس العسكري وإعطائها لمجلس منتخب
وبدون إفتعال مواجهة مع القضاء. وحتى إن حكمت المحكمة بعدم دستورية مجلس الشورى فكان
يستطيع الرئيس عدم إصدار قرار بحله فى هذه الحالة حتى إتمام إنتخابات مجلس الشعب
الجديد بدون أن يبدو قراره بمثابة تحدي لأحكام القضاء. خاصةً وأن هذا البرلمان - بالرغم
من أنه جاء فى إنتخابات شارك فيها 30 مليون مصري - إلا أنه فقد شعبيته حتى أنه
عندما تم حله لم يعترض الشعب. ولا أحسب فى ذلك الجموع الإخوانية التى تم تحريكها
من مكتب الإرشاد. أتكلم عن إعتراض شعبي حقيقي. كما أن خروج مرسي فى هذا التوقيت
بقرارات تصعيدية من هذا القبيل تؤثر سلبياً على شعبيته فيظهر كأنه يدفع البلاد إلى
المزيد من الإضطراب وخاصةً إذا صحب ذلك الدفع بمظاهرات من الإخوان الذين لا
يتحركون إلا لمصلحة الجماعة فقط وبأوامر من مكتب الإرشاد. وأخيراً فإن حيادية مرسي
فى المحك فى هذا القرار وبالفعل يتسأل الكثيرون هل كان الرئيس ليعيد مجلس شعب لم
يكن للإخوان فيه الأغلبية؟
القرار، فى وجهة نظري خاطئ شكلاً وتوقيتاً ويُخرج
الإخوان بشكل من يصارعون المجلس العسكري على السلطة ليس لصالح البلد ولكن بما يفيد
مصالحهم الضيقة فقط فى السيطرة على جميع سلطات الدولة.. كنت أتمنى أن يكون الإخوان
أكثر حنكة فى إدارة مثل هذه الأزمات ونبذ فكرة المغالبة والتحدي لصالح المواءمات
"الشفافة" وإحتواء الأزمات..
No comments:
Post a Comment