قرأت العديد من المقالات وأخرها مقالان من
زينب أبو المجد تشرح فيهم مدى توغل المؤسسة العسكرية فى جميع هيئات الدولة ووزاراتها
وأجهزتها التخطيطية والتنفيذية والرقابية. بالإضافة إلى كم القوانين التى تعطي
للجيش حقوقاً أو صلاحيات فى الحياة المدنية. كما توضح حجم النشاط الإقتصادى
الذى تديره المؤسسة العسكرية. وقد سألت سؤالاً هاماً وهو كيف لرئيس قادم أن يقدم
وعوداً للناخبين وهو يعلم تمام العلم أنه لن يستطيع الوفاء بها إلا بموافقة المؤسسة
العسكرية؟ وهو سؤال فى محله.. فالرئيس القادم - بلا أدنى شك - سوف تكون له صلاحيات
محدودة بما يسمح له به العسكر.
أليس هناك نوعاً من التناقض الساذج أن نطالب
بسقوط حكم العسكر بالرغم من توغله فى كل جانب من جوانب حياتنا؟ كيف تسقط هذا
النظام بالكامل فى مطلب واحد؟ ما هو المطلب إن لم يكن تسليم السلطة إلى رئيس منتخب؟
التسليم لرئيس منتخب ونحن نعلم تمام العلم أنه رئيس محدود الصلاحيات وإنه سوف
يحتاج إلى معركة مع المؤسسة العسكرية فى كل خطوة.. ما هو إن لم يكن ذلك؟ ما هو
المقصود بسقوط حكم العسكر؟ هل المقصود هو أن يتم فصل جميع اللواءات العاملين فى
مؤسسات الدولة؟ أم هو تعديل القوانين التى تعطى للجيش الحق فى الموافقة على تخصيص
الأراضى؟ أم هو إخضاع المؤسسات التجارية المملوكة للجيش للقوانين المنظمة للأعمال
أسوة بالشركات الخاصة أو الحكومية؟ أم هو إقالة المجلس العسكري وتحويلهم للمحاكمة؟
ما هو المقصود بسقوط حكم العسكر؟؟
ما أسهل القول: فليسقط حكم العسكر.. ولكن ما هو
الطريق لتحقيق ذلك؟ لقد تعلمنا من الثورة أن إسقاط شخص (أو مجموعة أشخاص) لا يعنى
إسقاط النظام. فالنظام متوغل فى كل مكان. متوغل بشكل رسمي فى صورة لواءات الجيش
والمخابرات المنتشرين فى جميع مؤسسات الدولة ومتوغل بشكل غير رسمي فى صورة ملايين المسؤلين
والموظفين الحكوميين المستفيدين من هذا الكم من الفساد. بل ومنتشر بيننا كشعب
إعتاد على قضاء مصالحه خارج النظام الرسمي ولم يتخيل حتى الآن نظام آخر.
إنه من السذاجة أن نتخيل أننا سوف نقوم بخلع
المؤسسة العسكرية كما قمنا بخلع مبارك.. لأنه - ببساطة - من أبقى مبارك فى مكانه
على مدار ثلاثون عاماً هو نفسه من أسقطه عندما ثقل وزنه. إن حجم السيطرة التى يحظى
بها الجيش على موارد هذه الدولة وأركانها أكبر بكثير من المجلس العسكري. بل أنه
حتى إن أراد المجلس أن يرخي قبضته ويقلص من صلاحيات الجيش قد يواجه إنقلاباً داخلياً
من الصف الثانى والثالث والرابع الطامعين فى هذه المزايا التى تمتع بها قادتهم على
مدار ستون عاماً.
بل وأنه من السذاجة أيضاً أن نتخيل أن القوى
السياسية والمدنية (أحزاب، حركات، ناشطين، إلخ) التى تشرذمت فى اليوم التالي
للتنحي وتنافرت بينها وسارعت بمهاجمة الواحدة الآخرى قادرة على إدارة البلاد أو
حشد الشعب خلفها.. نفس هذه القوى التى لم تستطيع أن تتفق على مطلب موحد على مدار
سنة ونصف. فهل لها أن تبدأ حراكاً قادراً على زحزحة العسكر؟ هل لديها القدرة على إكتساب
ثقة الملايين التى شاركت فى الثورة وحشدهم لإسقاط حكم العسكر؟ ربما تكون الغالبية
العظمى من الشعب جاهلة ولكنها ليست ساذجة.. كيف لها أن تتوحد خلف نخبة فشلت حتى فى
التوافق بينها على أبسط المطالب؟
إن إسقاط حكم العسكر ليس مطلب ولكنه منهج ومشروع
طويل المدى سوف يمتد لسنوات بل وربما لعقود. إنه مشروع لإنتزاع صلاحيات مؤسسة
كاملة إكتسبت هذه الصلاحيات فى صورة قوانين وأصول تضع يدها عليها ومعلومات تمتلكها.
لقد تلقى النظام الضربة الأولى والأقوى ورضخ لمطلب أن يتم إنتخاب رئيساً للجمهورية
وبات مطمئناً أن هذا الرئيس لن تكون له صلاحيات إلا فى حدود يسمح (النظام) له بها.
ولكن هذه هى بداية إنهيار حكمه. فهذه الصلاحيات القليلة سوف تعطي الرئيس أضعاف ما
كان متاح لمبارك (إن أراد) من حرية التحرك. وعلى الرئيس أن ينتزع صلاحياته واحدة
تلو الآخرى ودورنا أن نلتف حول هذا الرئيس وندعم هذا التحول فى كل مرحلة. يجب
ترجمة "يسقط حكم العسكر" إلى أفعال وخطوات نستطيع الحشد ورائها (مثل
قانون إنتخاب المحافظين أو تغيير قوانين إدارة أراضي الدولة أو قوانين التجنيد
الإجباري أو تغيير القوانين المنظمة للإعلام.. إلخ)..
بل وأن سقوط حكم العسكر ليس مرتبطاً برئيس
فقط ولكنه مرتبط بتغيير فكر شعب بأكمله تربى فى هذا النظام ولا يعرف غيره. ولن
ننجح فى ذلك إلا إن إستطاعت القوى السياسية والمدنية الإتفاق على المبادئ
الرئيسية. علينا أن نعرف متى نتفق ومتى نتنافس وأن نعمل على هذا التغيير بالعمل
على توعية الشعب وليس على التفاوض فى الغرف المغلقة.
لن يسقط حكم العسكر إلا بصعود حكم الشعب..
No comments:
Post a Comment